" أنا الفقير إليك "
تائه في دروب الدنيا .. معترف بالعجز والضعف والفقر والهلاك.. إن لم تتداركني رحمتك
اكيد حسيت قبل كده بفقرك لربنا لكن الفقر الاختياري مش الاضطراري ؟ يعني ايه ؟الفقر إلى الله نوعان :
** اضطراري : للمؤمن والكافر والبر والفاجر .. فبدون رعاية الله وحفظه لهلك الخلق جميعا ... لو حرمنا الهواء ساعة او ترك السماء ولم يمسكها لوقعت على الأرض فكل الخلق يتقلب في بره وإحسانه وليس هذا ما نعنيه
** اختياري : وهو الافتقار إلى الله والتذلل إليه والخضوع له وتفريغ القلب إلا منه وعدم التوكل إلا عليه وعدم اللجوء إلا إليه وعدم الثقة إلا به وعدم الرضا إلا عنه وعدم الطلب إلا منه
وإليك بعض النماذج
** محمد صلى الله عليه وسلم
إنه سيد الفقراء وانظر إلى ما حدث له في الطائف حين قال له أحدهم : أما وجد الله غيرك يبعثه؟! وقال ثانٍ : لأشقّن أستار الكعبة إن كنت نبيا وقال ثالث : إن كنت نبيا فأنت أعظم من أن أحدثك وإن كنت كاذبا فأنا لا أحدث كاذبا
وضُرب النبي – صلى الله عليه وسلم – بالحجارة ودمت قدماه وسقط على الأرض وفي أوج هذه المحنة ينطلق الدعاء " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني ؟! إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟! إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك "
فاستجاب الله دعاءه وأيده باسلام أناس من يثرب ونزول ملك الجبال
** موسى عليه السلامحين أحاط به فرعون وجنوده وضاقت عليه الأرض بما رحبت نادى ربه " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة و أموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " ماذا قال الله له " قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "
وكان بين الدعاء وإهلاك فرعون اربعون سنة
أخي نادِ ربك بأصدق لهجة وتذكر أنه لا رحمة لك إلا رحمته ولا مغفرة لك إلا مغفرته فاعرض بضاعتك على الله لعله يشتريها .. فقر ودمع .. حزن وقلق .. خوف واشفاق .. وجَل وبكاء .. وتسلم ثمن سلعتك جنة عرضها السماوات والأرض
يا من لم يمله الدعاء ولا يقلقه النداء ولا يخيب فيه الرجاء ولا تنفد خزائنه من العطاء .... يا أغنى الأغنياء عن عذابي .. أنا أفقر الفقراء إلى عفوك
نعم .. تسوّل وتوسّل .. أشهر إفلاسك أولا ليشملك بالمعونة ثانيا
مناجاة الفقراء
قال عمر بن ذر " اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك : الإيمان بك والإقرار بك ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك : الكفر والجحود بك .. اللهم فاغفر لنا مابينهما "
يارب إنك قلت " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت .. أفتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة ؟!
كان يحيي بن معاذ إذا سمع قول الله تعالى " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " يقول : إلهي .. إن كان هذا قولك في حق من قال أنا ربكم الأعلى .. فكيف رفقك بمن لم يشرك بك شيئا
هل فيكم مثل آق ؟!
آق شمس الدين هو شيخ محمد الفاتح والفاتح المعنوي للقسطنطينية لأنه غرس في قلب محمد الفاتح منذ صغره أنه المعني بالحديث " لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش " وأثناء الفتح أراد السلطان أن يكون شيخه بجواره فأرسل إليه يستدعيه فمنع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول فغضب الفاتح وذهب بنفسه فمنعه الحراس بناء على أمر الشيخ !! فأخذ الفاتح خنجرة وشق جدار الخيمة ودخل فإذا شيخه مستغرق في سجدة طويلة وعمامته متحرجة من على رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض ثم قام من سجدته والدموع تنحدر على خديه فقد كان يدعو الله بإنزال النصر وسرعة الفتح ..
وخرج السلطان من الخيمة ونظر غلى الأسوار المحاصرة فإذا باجنود قد أحدثوا أول ثغرات بالسور ففرح السلطان وقال : ليس فرحي لفتح المدينة وإنما فرحي لوجود مثل هذا الرجل في زماني !!
وغير الفقراء تائهون
قال منصور النمري يمدح هارون الرشيد :
إن أخلف الغيث لم تخلف أنامله ----- أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع
فمر العتابي بالنمري وهو مغموم فقال : مالك ؟ قال : امرأتي تطلق منذ ثلاث ونحن على يأس منها فقال له العتابي : إن دواءها منك أقرب من وجهها قل : هارون الرشيد فإن الولد يخرج !! فقال : شكوت إليك ما بي فأخبرتني بهذا؟ فذكره ببيت الشعر !!
فليكن الله قصدك فإذا سألت فسأله وإذا استعنت فاستعن به
أخي
.. ألم يأتك وقت شعرت فيه بالحزن دون سبب .. أو بالألم دون مسبب .. أو بالغربة وسط الأهل .. والوحشة بين الأصدقاء .. أو بالملل وسط أسباب النعيم
إن كان أصابك شيء فاعلم أنه لا بدّ لك منه .. وهذا من فطرتك السليمة .. فأنت بغير الله لا شيء
افهم طبيعة الدنيا
إن الدنيا دار تعب لا راحة فيها لأحد .. مؤمنا كان أم كافرا .. فقيرا كان أم غنيا .. صحيحا كان أم سقيما .. ولذا قال العقاد :
صغـير يشتهي كبرا ---- وشيخ ود لو صـغرا
وخـالٍ يبغتي عملا ---- وذو عمل به ضـجرا
ورب المال في تعب ---- وفي تعب من افتقرا
يضيق المـرء منهزما ----- ولا يرتـــــاح منتصرا
فهل حـاروا من الأقدار ----- أم هم حـيروا القدرا
والدنيا دار فناء .. زهر زهرتها آفل .. وطل طليلها زائل .. أفراحها مشوبة بالأحزان .. صحتها مقرونة بالأسقام .. مدة اللقاء فيها أيام قلائل .. حلالها حساب .. حرامها عقاب .. نورها يعقبه ظلام .. حلاوة شهواتها مقرونة بالآثام .. حسن جمالها مستعار .. حلاوة عيشها منغصة بالأكدار .. سم شهواتها قاتل .. بريق نعيمها زائل
والدنيا دار شغل قال بن القيم في الفوائد :
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه .. وولد لا يعذره .. وجار لا يأمنه .. وصاحب لا ينصحه .. وشريك لا ينصفه .. وعدو لا ينام عن معاداته .. ونفس أمارة بالسوء .. ودنيا متزينة .. وهوى مرد .. وشهوة غالبة .. وغضب قاهر .. وشيطان متزين .. وضعف مسئول عليه
فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها .. وإن تخلى عنه اجتمعت عليه فكانت الهلكة "
كلام قيم .. لابن القيم فانشغل بالله حتى يتولاك ولا تسلم نفسك إلى شغل الدنيا
هل اتهمت نفسك يوما ؟!
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الآية " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون "
قالت عائشة : الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟! قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات
ولما دخل أحد التابعين يتلو " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات بإذن الله " قالت رحمها الله : فأما السابق بالخيرات فهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – صحبوه وذهبوا معه وأما المقتصد فمن تبعوهم باحسان وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك !!
تقول هذا وهي التي توفى الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو بين سحرها ونحرها وهي أحب الخلق إليه وهي التي مات النبي وهو عنها راض .. نعم لأنها زوجة أفقر الفقراء إلى رب العالمين : محمد صلى الله عليه وسلم
قال ابن نجيد شيخ نيسابور :
" لا يصفو لأحد قدم في العبودية حتى تكون أفعاله عنده كلها رياء وأحواله كلها دعاوى"
ومن الفقر أن تستعين بالله وحده وأن تستحي من سؤال غيره
كان صلة بن أشيم في غزاة فمات فرسه فتلفت يمينا وشمالا ثم قال : اللهم لا تجعل لمخلوق علي منة فإني استحي من سؤال غيرك وعلم الله صدقه فأحيا له فرسه فركبه حتى إذا وصل أهله قال لغلامه : فك السرج فإن الفرس عارية فنزع السرج فهبط الفرس ميتا
ثلاثة نماذج للفقراء
** النبي صلى الله عليه وسلم
بعد أن بلغ رسالة ربه واستفرغ فيها وسعه وطاقته ودانت له جزيرة العرب .. في يوم الحج الأكبر يوم عرفة يدعو الله " اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي ولا يخفي عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير .. المستغيث المستجير .. الوَجِل المشفق .. المُقر المعترف بذنبه .. أسألك مسألة المسكين .. وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل .. وأدعوك دعاء الخائف الضرير .. دعاء من خضعت لك رقبته .. وذلّ لك جسده .. ورغم لك أنفه .. وفاضت لك عيناه .. اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا .. وكن بي رؤوفا رحيما .. ياخير المسئولين .. ويا خير المعطين .. يارب العالمين "
وهكذا كان دأبه في أسمى مواقف الانتصار يكون في أعلى درجات الفقر والتضرع .. يوم فتح مكة دخلها ساجدا على ظهر فرسه تواضعا لله وشكرا لنعمته
** ابن تيمية
يقول عنه تلميذه ابن قيم الجوزية : كان يقول ابن تيمية
" والله منذ احتلمت وبلغت وعقلت للآن ما أعلم أني أسلمت إسلاما جيدا .. وأنا أصحح إسلامي إلى الآن " قال ابن القيم : قال هذا في أواخر أيامه وكان يقول :
أنـا الفـقـير إلى رب البريات ------- أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ------ والخير إن يأت فهو من عنده ياتي
** ابن أبي ذؤيب
دخل الخليفة المهدي مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي المسجد أكثر من 500 من طلبة الحديث أهل العمائم والمحابر والأقلام فقام الناس جميعا إلا ابن أبي ذؤيب فقال المهدي : يا ابن أبي ذؤيب قام الناس إلا أنت !! قال : والله الذي لا إله إلا هو لقد أردت أن أقوم لك فلما تهيأت للقيام تذكرت قول الله تعالى " يوم يقوم الناس لرب العالمين " فتركت هذا القيام للقيام ذلك اليوم قال : اجلس .. والله ما بقي في رأسي شعرة إلا وقفت
بقي أخي أن تغتنم أوقات الإجابة
ثلث الليل الآخر ... آخر ساعة من نهار الجمعة ... في السجود ... وقت طلوع الإمام المنبر يوم الجمعة ... بين الآذان والإقامة
ولكن أحضر قلبك أولا .. ثم ادع بما شئت ... وأكثر من السجود
واستصغر عملك .... فكلما صغرت عبادتك في عينك .... كلما عظمت عند الله
ومن أدام قرع الباب أوشك أن يفتح له " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل "