روى أبو داود في سننه عن كليب بن منفعة عن جده أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أبر ؟ قال أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة وروى النسائي عن طارق المحاربي قال
قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول : أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، ثم أدناك فأدناك وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أمك ، قال ثم من ؟ قال أمك ، قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك ثم أدناك أدناك .
وفي الترمذي عن معاوية القشيري رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله من أبر ؟ قال أمك ، قلت ثم من ؟ قال أمك ، قلت : ثم من ؟ قال أمك قلت : ثم من ؟ قال أباك ثم الأقرب فالأقرب .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف .
وفي " سنن أبي داود " من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا .
ورواه أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا . وروى النسائي من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك فهكذا وهكذا .
وهذا كله تفسير قوله تعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى [ النساء 36 ] وقوله تعالى : وآت ذا القربى حقه [ الإسراء : 26 ] فجعل سبحانه حق ذي القربى يلي حق الوالدين كما جعله النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء وأخبر سبحانه أن لذي القربى حقا على قرابته وأمر بإتيانه إياه فإن لم يكن ذلك حق النفقة فلا ندري أي حق هو . وأمر تعالى بالإحسان إلى ذي القربى .
ومن أعظم الإساءة أن يراه يموت جوعا وعريا وهو قادر على سد خلته وستر عورته ولا يطعمه لقمة ولا يستر له عورة إلا بأن يقرضه ذلك في ذمته وهذا الحكم من النبي صلى الله عليه وسلم مطابق لكتاب الله تعالى حيث يقول والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك [ البقرة 233 ] فأوجب سبحانه وتعالى على الوارث مثل ما أوجب على المولود له وبمثل هذا الحكم حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فروى سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه حبس عصبة صبي على أن ينفقوا عليه الرجال دون النساء
وقال عبد الرزاق : حدثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن شعيب أن ابن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف بني عم على منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة فقالوا : لا مال له فقال ولو وقوفهم بالنفقة عليه كهيئة العقل
قال ابن المديني : قوله ولو أي ولو لم يكن له مال . وذكر ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن حجاج عن عمرو عن سعيد بن المسيب قال جاء ولي يتيم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أنفق عليه ثم قال لو لم أجد إلا أقضي عشيرته لفرضت عليهم وحكم بمثل ذلك أيضا زيد بن ثابت .
قال ابن أبي شيبة : حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن مطرف عن إسماعيل عن الحسن عن زيد بن ثابت قال إذا كان أم وعم فعلى الأم بقدر ميراثها وعلى العم بقدر ميراثه ولا يعرف لعمر وزيد مخالف في الصحابة البتة .
وقال ابن جريج قلت لعطاء : وعلى الوارث مثل ذلك [ البقرة 233 ] قال على ورثة اليتيم أن ينفقوا عليه كما يرثونه . قلت له أيحبس وارث المولود إن لم يكن للمولود مال ؟ قال أفيدعه يموت ؟
وقال الحسن : وعلى الوارث مثل ذلك قال على الرجل الذي يرث أن ينفق عليه حتى يستغني .
وبهذا فسر الآية جمهور السلف منهم قتادة ومجاهد والضحاك وزيد بن أسلم وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب وعبد الله بن عتبة بن مسعود وإبراهيم النخعي والشعبي وأصحاب ابن مسعود ومن بعدهم سفيان الثوري وعبد الرزاق وأبو حنيفة وأصحابه ومن بعدهم أحمد وإسحاق وداود وأصحابهم .